دُحر داعش عام 2017 بعد معارك حامية مع القوات العراقية، الدّمار الهائل الذي خلّفه داعش ورائه وجرّاء دجره جعل "الموصل" مدينةً منكوبةً ماديًا ومعنويًا.
كان التنظيم قد اتخذ من بين ما اتخذه من مقرات له، جامعة الموصل، مسيطرًا على مباني كلياتها وفارضًا على الطلاب والطاقم التعليمي يدًا من حديد وقوانينه المتشدّدة.
في شباط/ فبراير عام 2015، أضاف داعش لجرائمه جريمةً أخرى في حق الإنسانية، بأن أشعل النيران في مبنى المكتبة المركزية في جامعة الموصل، وهي واحدة من أقدم المكتبات في المنطقة العربية، وأكثرها ثراء بالمخطوطات والمصادر النادرة.
في هذا المبنى، احترق أكثر من مليون مصدر علمي وتاريخي واجتماعي واقتصادي، أكثر من نصفها كان باللغة العربية وحوالى أربعمائة ألف مصدر باللغات الانكليزية والإيطالية والفرنسية والإسبانية وغيرها، فضلًا عن أكثر من عشرةِ آلاف مخطوطة وكتب نادرة، وثلاثين ألف دورية ومئتي ألف أطروحةٍ ورسالةٍ في الماجستير والدكتورا من مختلف التخصصات، إلى جانب سبعةِ آلاف مطبوعة حكومية توثق تفاصيل الدولة العراقية الحديثة منذ تأسيسها عام 1921.
عملية إعادة الإعمار تجري بشكل حثيث..
كاميرا أخبار الآن وثقت عقب التحرير ما آلت إليه جامعة الموصل ومكتبتها المركزية، واليوم تزورها لتطلع على جهود الجامعة وطاقمها الموصلي لاستعادة هذا الصرح العلمي، بيتهم الثاني وعمرهم الذي حرق منه داعش الكثير والعزيز.
نرافق الدكتور قصي الأحمدي رئيس جامعة الموصل إلى المبنى الرئيس المحترق للمكتبة المركزية حيث إعادة الإعمار فيه تجري بشكل حثيث منذ بدأت الجامعة تستعيد أنفاسها الدراسية بهدف إعادة افتتاحه من جديد في حزيران/ يونيو من العام الحالي 2021.
بانتظار الانتهاء من إعادة إعمار المكتبة المركزية وافتتاحها من جديد، كان لا بد من مقر بديل مؤقت يلبي احتياجات عشرات الألاف من الطلاب والباحثين من مختلف كليات جامعة الموصل وشتى جامعات العراق.
عملية إعادة إعمار وتأهيل المكتبة المركزية لا تقتصر على المبنى الإسمنتي، بل منذُ تحرير المدينة، يعمل طاقم المكتبة كل بحسب اختصاصه في تصنيف وتبويب الكتب والمصادر وترتيبها وأرشفتها وفقَ أنظمةِ المكتبات العالمية، بعد أن كانوا قد بذلوا ما في وسعهم لإنقاذ ما استطاعوا من تحت الرماد، بجهود شخصية وبمعاونة شباب موصلي من عدد من المنظمات التطوعية.
وفق شهود عيان، فإنَّ مسلحي داعش كسروا نوافذ المكتبة وكانوا يمزقون كتب الشعر والأدب والفلسفة وغيرها مما لا يروق لهم، ويرمونها من النوافذ قبلَ أن يشعلوا النيران فيها، ضاربين بعُرض الحائط أول أمر إلهي للمسلمين، ألاوهو "إقرأ".
من بين الكتب والمراجع القيّمة التي جرى إنقاذها لاحقًا، أرشيف الصحف العراقية الذي يعود إلى مطلع القرن العشرين، ويتضمن أرشيف صحيفة "فتى الموصل" التي تمت طباعتها في المدينة نفسها قبل أكثر من قرن من الزمان.
تعرّضت المكتبةُ المركزيةُ للحرق كما لقصف الطيران في سبعةِ مواقع من مبناها، ووصلت نسبة الدّمار فيها إلى %80 وفق ما أخبرنا به مدير قسم الإعمار والمشاريع في جامعة الموصل، ورئيس المهندسين أسامة حمدون. بعد تقييم المبنى وأضراره، قررت الجامعة إبقاء المبنى نفسه ومعالجته وإعادة إعماره وتأهيله، وحصلت على تمويل لتنفيذ ذلك من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"UNPD".