كل ما يحتاجُه الوطن، عين محب.. وفي قضاء "سنجار" بمحافظة "نينوى" شمال العراق، هناك عيون الشاب سعد حمو الذي ساقه القدر إلى التصوير صُدفة، وقرر هو أن تصبح عيناه المحبة لـ "سنجار" عدسةً تخلدُ لحظات متنوعة من طبيعته ووجوه ناسه ومشاعرهم، حين أتيح له التصوير بكاميرا فوتوغرافية استغل الفرصة، وحين لم تتوفر استعان بالتقنيات الحديثة للهاتف النقال ليوثق ما تراه عينُه جميلًا. ذهبنا معه إلى الطبيعة في سنجار حيث حدّثنا عن قصته مع التصوير، قائلًا: "كما تعلم مرّ قضاء سنجار في الكثير من المراحل، في الحقيقة قبل الـ 2014 لم أكن أفكر في التصوير، كنتُ أفكر بالدراسة والتخرج والتعيين، وكيفية التخطيط للمستقبل، لكن بعد الـ 2014 شهدت سنجار مراحل مختلفة".
وتابع قائلًا: "في الـ 2014 سيطر تنظيم داعش على المنطقة وتمَّت محاصرة جبل سنجار، وفي الواقع نزح أهلنا عنه، وعدتُ إلى سنجار بعد تحرير المنطقة وما أزال هنا إلى اليوم".
وأردف قائلًا: "لم أكن أفكر بالتصوير والنشر، لكن رأيتُ الناس ابتعدوا عن سنجار كثيرًا ومضى الوقت. وفي أواخر 2014، فكّرت أن أوثّق صور المزارات والقبب الدينية الإيزيدية التي تمَّ تفجيرها".
وأضاف قائلًا: "في ربيع 2015، بدأتُ بالتقاط صور المزارات الدينية، وقمتُ بتثبيتها في "جوجل إيرث"، آنذاك كان قد حلّ الربيع، لم تكن العوائل قد عادت إلى جبل سنجار، بل كان هناك رجال المقاومة فقط، فقمتُ بنشر الصور، ورأيتُ أنّها محل اهتمام الكثير، وتواصل معي الأصدقاء لغرض إرسال الصور إليهم، بالأحرى اشتقات الناس إلى سنجار، فقلتُ في نفسي سأستمر في نشر صور سنجار لأنَّ أهلها بعيدون عنها وتمرّ المدينة في مرحلة البقاء أو الفناء، بمعنى أننا سنثبت وجودنا بكل قوتنا، فقمنا بنشر صور أبطال المقاومة والحالات الإنسانية والحالات التي كانت تعاني الفقر".
وواصل حديثه، قائلًا: "في الربيع كنتُ أكتب عن الجبل من منطقة بارا إلى منطقة خليفي، وكانت منطقة صولاغ قريبة على المناطق التي كانت ما تزال تحت سيطرة تنظيم داعش في الـ 2015، لذا لم أز تلك المناطق في تلك الفترة، وبعد ذلك زرنا المناطق الجنوبية أيضًا، وحتى مركز المدينة بعد تحريرها، وقمنا بتوثيق المنطقة ونشر صورها، وتبيّن أنَّ الناس تشتاق إلى سنجار، وأصبحت هذه الصور رسالة أكّدت وجود سنجار وأنَّ هناك رجال يدافعون عنها، فأهالي سنجار لديهم مبادئ ويعلمون أنَّ جبل سنجار يعني لهم الوجود من عدمه.. في الحقيقة لم أدرس أي شيء يخص التصوير".
وعن ما إذا كان يتذكر أول صورة قام بتصويرها، وما الذي دفعه لذلك، أجاب سعد حمو، قائلًا: "في أواخر 2014 وبداية 2015، اشتاقت الناس لـ سنجار، وكانوا يشكون من المجتمع الدولي والجهات القادرة على تحرير أي شيء من سنجار، أتذكر الصور الأولى التي نشرتها كانت لمنطقة سردشتي التي تقع بين منطقة كولكا حيث نحن الآن ومنطقة جلميرا، كان فيها نحو 2600 عائلة لم تنزح إلى إقليم كردستان وسوريا، وبقت في منطقة سردشتي، كنتُ ألتقط صور للأطفال والمسنين والأبطال الذين خاضوا المعارك ودافعوا عن سنجار وأرضها وأنقذوا ما تبقى من عوائل في الجبل. كما قلتُ لكَ مرّينا في مراحل منها مرحلة الصمود ومرحلة إعمار سنجار، وعرض الربيع والمناطق الجميلة في سنجار للناس، فسنجار ليست كما تراها فقط، فهم لا يعرفون واقع سنجار وما تمرّ به فهم يتحدثون عن سنجار من بعيد".
وتابع قائلًا: "لذلك حاولتُ إيصال صورة للناس لأقول لهم إنَّ سنجار تختلف عما تراه أنتَ، سنجار جميلة، سنجار هي التي صمد أهلها ويقومون بإعمارها لأنّهم يحبون الحياة ويحبون استمراريته".
عند اجتياح داعش لسنجار في 3 آب/ أغسطس عام 2014، وقع شقيقُ سعد ووالدته في الأسر، كما عدد كبير من أصدقاء طفولته ورفاقِ المدرسة، تلك أيام أليمة، يقول سعد إنهم كانوا يدوسون على آلامهم بعد أن كانوا يبكون منها بشدّة، فقد قرر هو وكثيرون أن يعيدوا بناء حياتهم. وهو اختار نشر صوره عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع الناس على العودة، أو على الأقل على عدم نسيان "سنجار" وإبقائه في وجدان من ارتحلوا إلى بلاد الاغتراب.
وأجاب المصور سعد حمو على سؤالنا، هل وثّقتَ حياتكَ عندما كنتَ نازحًا؟ وعن ماذا كانت صوركَ؟ قائلًا: "مثلما قلتُ لكَ بدأتُ في التقاط الصور في سنجار، فحتّى ولو كنت قد أخذتُ بعض الصور في المخيم، لكنك تشعر بأنّكَ من أهالي دهوك، لكن في سنجار هناك صمود وأهلها صامدون، فكان كل شيء في سنجار، وجودنا، اهتمامنا.. فالمخيم شيء مؤقت، هي فترة وسنعود إلى سنجار. من الذي كان يصدّق أننا سنبقى إلى الآن في المخيم؟ فأهالي سيباي وكرزرك لم يعودوا حتّى الآن، ولم يكن ذلك في مخيلتنا".
وأشار حمو أنَّ أكثرية الصور التي التقطها كانت عن جبل سنجار والمزارات الدينية والأطفال والرجال وأبطال المقاومة، لافتًا أنَّ صوره جميعها في جبل سنجار وأطرافه.
وأكّد حمو أنّه في النزوح لم يصوّر لأنّه لم يكن يرغب في البقاء هناك، وبعد أن انهى دراسته، ذهب إلى "سنجار" ومعه ملابس حفلة التخرج ولبسها. كما أخبر الصديق الذي حثه على الاستمرار في الدراسة، حيث التقط صورًا معه ومع بقية الأصدقاء، ومنذ ذلك الوقت وهو في "سنجار".
ونوّه حمو، قائلًا: "لذا مجيئي إلى سنجار ونشر صور الربيع والمقاومة وأشجار البلوط والكزوان، وخاصةً أشجار التين والصخور كان بمثابة رسالة أوضح أننا نحنُ أيضًا مثل هذه الأشجار والصخور سنبقى. فبرأيي سنجار هي وجودنا. وجدنا أو لا، سنكون هنا حتّى نعود إلى وطننا يومًا ما".
وعن سؤال، متى تشعر بأنَّ المشهد يستحق التصوير؟ وهل تشاهد أشياء خاصة قبل التصوير؟ ردَّ قائلًا: "كما قلت، ستذهي إلى كَيرا قيرانا (منطقة في جبل سنجار) أو منطقة بارا أو صولاغ أو كرسي أو أعلى قمّة الجبل وأي مكان تشاهده من جبل سنجار، وسيدخل قلبك في الكثير من المرات. حينما أشعر بعدم الارتياح في مكان إقامتي في ناحية سنوني، أفكر مباشرةً بزيارة الجبل.. أركز وبشكل لا إرادي على الشيء الذي يتفائل به الناس مثلًا، وعن طريق الصدفة التقط بعض الصور لآلات الحراثة القديمة، في منطقة كرسي في الكثير من المرّات وأي منطقة أذهب إليها، فإنَّ شعوري يخبرني ماذا أصور، فليس لديَّ مكان محدد لأصوره لأنَّ جبل سنجار بأكمله صورة جميلة".
وعن وصفه لـ "سنجار"، قال المصور سعد حمو: "في الحقيقة لا تستطيع وصف سنجار، فإن لم يكن والديك موجودين في سنجار سيحتضنكَ الجبل، أرى أنَّ جبل سنجار إليَّ من والديّ، صحيح أنني تربيتُ على أيدي والديّ، لكن هما من علماني هذه المبادئ التي تقول أنَّ جبل سنجار يأتي قبل كل شيء، فلا يمكن وصفه، فهو حضن الوالدين، وهو مكان وجودنا ومبادئنا وهو الذي يعرّفنا بالعالم، وإن أصبحنا أصحاب هذا الجبل سيكون هذا أجمل تعريف ممكن أن نعرّف به". وتابع: "قمتُ بتصوير عدّة مزارات دينية والقبب من جبل سنجار ونشرتها ولاقت هذه الصور ترحيبًا كبيرًا والكثير من الأصدقاء الذين هاجروا إلى خارج العراق يطلبون مني أن أرسل لهم هذه الصور والفيديوهات، فأقوم بالواجب دون نشرها".
ما يراه سعد مهمًا، هو سواءٌ كان أبناءُ قضاءِ "سنجار" في خيمة في العراق أو مغتربين أينما كانوا، فعليهم ألّا ينسوا المكان الذي ولدوا به، ومبادئهم وهويتهم، بل عليهم أن يعرفوا العالم على هويتهم، كما زَرعِها في وجدان أطفالهم.
وعن ما إذا كانت صوره دافعًا لعودة الأهالي إلى "سنجار"، قال: "في الحقيقة الصور التي أقوم بنشرها يطلبها مني الأصدقاء داخل العراق وخارجه في كثير من الأحيان، وهم يشتاقون لـ سنجار كثيرًا باعتبارها المدينة التي ولدوا فيها، وتعني لهم الوجود. الكثير من الناس يقولون لي إنّك تشجع الناس على العودة. وأنا أريد النهوض بمجتمعي لندير أنفسنا بأنفسنا، فلا أعلم ماذا أقول لكَ، أريد أن نستطيع إدارة مناطقنا، وليحاول كلّ منّا إيصال أجمل صورة عن سنجار إلى العالم. سنجار تحتاجنا جميعًا وبالوحدة سنكون في أفضل حال. في الحقيقة تلك الصور أعتبرها عمل للإنسانية، فأنا أحاول إيصال أجمل صورة عن سنجار إلى العالم من جميع النواحي، ومنها الناحية الاجتماعية والأخلاقية".
ولفت المصور الشاب سعد حمو أنّه كانت لديه كاميرا تعود لصديقه، وبعد أن عاد إلى "سنجار" كليًا سلّمه إياها، فهو كان يحتاجها أيضًا، مشيرًا إلى أنّه حاليًا يلتقط جميع صوره بالجوال ولا يملك كاميرا.
وجَزَمَ حمو أنّه يلتقط الصور وينشرها مباشرةً دون أي تعديل حتّى أنّه لا يستخدم أي برنامج لإلتقاط الصور.
وفي نهاية الحلقة، وجّه سعد حمو رسالة إلى أهله في "سنجار"، قائلًا: "رسالتي إلى أهلي أينما تكون ومهما كان انتماؤك السياسي، وحتّى إن كنتَ بعيدًا عن سنجار، فنحنُ معًا أفضل، ربما نكون أنا وأنتَ مختلفين في التوجهات، لكن هدفنا واحد، وهو استقرار سنجار وعودة أهاليها، وعودة الأعمال إليها وأن يثقوا فيها فهي وطننا، لذا أينما تكون في أي دولة سيكون انتماؤك هنا. سيسألكَ أطفالكَ عن منطقتك الأصلية، فهدفنا جميعًا أن نحافظ على هويتنا ونبتعد عن إسقاط بعضنا البعض".