بكل عزم وحماس، يمشي مروان علوبي ابن "بعشيقة" القريبة من مدينة "الموصل" في محافظة "نينوى" العراقية، متجهًا إلى أحد المزارات الأيزيدية في البلدة.
مروان الذي يقترب من ربيعه الحادي والخمسين ليس مجردَ منشدٍ ومغنٍ صاحب صوتٍ حنونٍ يشوبُه بعضُ الحزن، هو الخلمتكار مروان، واحد من عشرات الأيزيديين الذين يكرسون جلّ وقتهم في خدمة المزارات الأيزيدية والمجتمع الأيزيدي تطوعًا.. هؤلاء يسميهم المجتمعُ الأيزيديّ "الخلمتكارين".
ويعرّف الخلمتكار خيري كدي "الخلمتكارين"، قائلًا: "الخلمتكارين همّ مجموعة من المجتمع الأيزيدي، وهذه المجموعة تضمّ أشكال متعدّدة، المتعلّم والغير المتعلّم والموظف والعامل والإنسان الفقير والغني، وتضمّ أيضًا من كلّ طبقات المجتمع الأيزيدي مثل الشيخ والبير والمريد.. وإنَّ عمل الخلمتكارين هو عمل خيري تطوعي في المعابد أو في القرى أو في أي مكان يخصّ المجتمع الأيزيدي".
وقال الخلمتكار نصري حاجي: "الخلمتكارين همّ المتطوعين الذين يخدمون أو يقدمون خدمات في معبد "لالش" من أعمال التنظيف وأعمال البناء والمساهمة في تجميل معبد "لالش"، وكذلك في باقي المزارات الأيزيدية سواء كانت في بعشيقة أو بحزاني أو شيخان أو سنجار".
وتابع قائلًا: "عادةً الخلمتكارين يتواجدون كلّ يوم جمعة وفي الأعياد والمناسبات الدينية حتّى يقدّمون الخدمات للزوار ولرجال الدين في معبد "لالش" وبالدرجة الأساس تنظيف المعبد. كذلك يساهم الخلمتكارين في تقديم الخدمات في إعمار المزارات ويساعدون في عملية حفر القبور ودفن الموتى في حال وجود حالة وفاة".
ويشرح الخلمتكار خيري كدي أنَّ الخلمتكارية ليست وراثة، وإنّما هي حدث، حيث يشعر الإنسان بها ويكون لديه ميول لعمل الخير، فينتمي إلى هذه المجموعة عن طريق التّدرج في أعمال الخير".
وتحدّث الخلمتكار خيري كدي عن التحديّات التي واجهت الأيزيدين خلال عودتهم إلى "بعشيقة" قائلًا: "من ضمن التحديات التي واجهتنا هي تلك الماديّة لأنَّ الإنسان عندما ينزح لفترةٍ طويلة يفقد عمله ومصدر رزقه، وكان إعادة الإعمار هو تحدٍ آخر بالنسبة لنا بسبب الألغام التي كانت موجودة ومخلفات داعش".
من هم الخلمتكارين؟
"الخلمتكارين" هم أول من عاد إلى "بعشيقة" و"بحزاني" بعد دحر داعش بهدف تنظيف المزارات من أي ألغام أو ذخائر قد تعرّض حياة الأهالي للخطر، وليساهموا بعد ذلك في إعادة إعمارها.
وروى الخلمتكار نصري حاجي عن الحادث الذي تعرّض له أحد أصدقائه الخلمتكارين أثناء عملية التفتيش لبعض المناطق، حيث استشهد على إثر إنفجار لغم به.
وأكّد حاجي أنَّ "الخلمتكارين" هم قدوة للمجتمع الإيزدي، بخاصةً في مسائل العمل التطوعي والخيري وفي عملية السلوك والأداب والتصرفات التي يقوم بها الخلمتكارين، مشيرًا إلى أنّهم ليسوا رجال دين لكنّهم يقومون بتمثيل المجتمع الديني الأيزيدي التطوعي باعتبار أنَّ هذه الأعمال هي خيرية.
الخلمتكار خيري كدي خدر هو مهندس مدني من "بحزاني" فيما الخلمتكار نصر حاجي خدر، خريج المعهد التقني في "الموصل"، وهما مع "خلمتكارين" آخرين منهم مروان قد ساهموا بشكل أساسي في إعادة بناء قبب المزارات في بعشيقة وبحزاني وتركيب الهليل على كل منها، كانت العودة لهم حياة جديدة.
وعودته إلى منطقته، أشار الخلمتكار خيري كدي قائلًا: "بالنسبة لي كشخصي تعني لي الحياة من جديد، فمنذ مغادرتنا لمناطقنا، اعتبرنا أنَّ الحياة توقّقت لأنَّه بالنسبة لنا مناطقنا ومزاراتنا هي جزء من حياتنا، وتوفّرت لنا فرص مغادرة البلد ولكن لم نفعل ذلك، فقد عدنا إلى مناطقنا وعدنا بعزم وقوّة وإصرار على إعادة بناء المزارات أولًا والمدينة ثانيًا وأصبحت الحياة في بعشيقة جيّدة جدًا".
ولفت الخلمتكار نصري حاجي أنَّ الهدف الأساسي من عودتهم إلى "بعشيقة" هو بمثابة تحدي لداعش الذي كان مستهدفًا للهوية الإيزيدية، وذلك من خلال إعادة إعمار المزارات وبناء المعابد واجتماع الناس واحتفالهم مع بعضهم البعض بفرح العودة، منوّهًا على أنَّهم بعودتهم أعطوا رسالة للعالم أنّهم أقوى من داعش.
وعن مسألة العودة إلى "بعشيقة" قال الخلمتكار مروان حسين: "إنَّ العودة كانت بالنسبة لنا هي الحياة، ففي بادئ الأمر، كانت هناك صعوبة بالعودة إلى منطقة بعشيقة وبحزاني، ولم نكن نتوقع أبدًا أننا سنعود، ولكن ها نحن عدنا وساهمنا في إعادة إعمار المنطقة، فكان ذلك بمثابة فرحةً كبيرة لنا، بخاصّةٍ عندما انتهينا من إعادة بناء المزارات".
واستعرض هذا الوثائقي قصّة العودة لكل من الخلمتكار خيري كدي والخلمتكار نصري حاجي.
الخلمتكار مروان حسين علي الملقب بمروان علوبي تطوع منذ طفولته في خدمةِ كل مزارات الإيزيديين في "بعشيقة" و"شيخان"، ويخدمُ معبد "لالش" بعين سفني، لا يأنف من أي عملٍ، فهو ينظف ويساعد في البناء عند الحاجة، ويساهم في جني محصول الزيتون للمزارات ومن ثم عصره، كما يخدم في "سفر قولا"، وهو مراسم ذات أهمية لديهم يُجمع فيها الخشب لمؤونة المزارات. يُعرف الخلمتكار مروان في كل المزارات وينتظرونه، ليغني لهم ويعزف.
وأخبر الخلمتكار مروان حسين عن مشاركته في تحرير بعض المناطق، قائلًا: "لقد شاركتُ في عملية تحرير "سنجار"، "تلسقف"، "بعشيقة" و"بحزاني"، وأيضًا كنتُ أشارك في الأماكن التي يكون فيها هجمات، وذلك من أجل قضيتنا من دون أي مقابل".
ونوّه الخلمتكار نصري حاجي أنَّ المجتمع الإيزيدي هو مجتمع منفتح ومتسامح، لذلك استطاع مقاومة كلّ هذه الفترة الطويلة رغم كلّ الإبادات والحملات التي صارت عليهم.
وأضاف الخلمتكار خيري كدي أنَّ المجتمع الإيزيدي هم دائمًا دعاة سلام، وهم دائمًا في صلواتهم يطلبون المحبة والخير للعراق كلّه أولًا ولهم ثانيًا، متمنّيًا أن تعود الوحدة إلى العراق وأن يبقى في سلام وأمان.