كيف تحدّت الشابة الإيزيدية الظلام وأشرقت من جديد؟
يسودُ الهدوءُ مدينةَ سنوني صباحَ هذا اليوم المشمس الربيعي في قضاء "سنجار" غرب محافظة "نينوى" العراقية. نحن هنا لنزور شابة عراقية إيزيدية، تلمعُ ابتسامتها المشرقةُ كلون شعرها والشمس، لتزيحَ عن وجه المدينةِ ظلمةً، حملتها الأيامَ السابقة حين هجوم داعش على قضاء "سنجار" وهجر أهله ونكّل بهم حد الإبادة عام 2014.
هي شكرية آل دخيا، الشابة التي لم ترضَ لنفسها أن تقفَ حياتُها عند حدودِ النزوح، فعملت، وفي نفس الوقت تابعت دراستها حتى نالت شهادة الصيدلة، لتعودَ بعد تحرير المدينة مع أحلامها التي تلونُها ريشتها بخدمة الأهالي وأماني السلام.
وتُخبر شكرية عن مهاجمة داعش للمدينة، قائلة: "ذاك اليوم كانت عائلتنا في الستان، قرب مجمع بورك، وفي ليلتها منذ الساعة 12 حتّى الساعة 3 كنّا نتعرض لهجوم من داعش، واضطررنا إلى النوم هناك، وعندما أصبحت الساعة السابعة صباحًا، أتّى عمّي واصطحبنا للبيت، وبقينا فيه للساعة العاشرة صباحًا، وطبعًا الناس كانت في حالة خوف شديد، وكان كلّ واحدِ منهم يذهب لمكان، فبعضهم كان يقول سوف نطلع للجبل والبعض الآخر يقول سنذهب إلى كردستان".
وتابعت: "بعد ذلك، اتفق أهلي وأعمامي بأن نذهب إلى الجبل، وفي طريقنا إلى هناك، عايشنا أوقات صعبة، وكان الخوف مستشريًا أكثر بين الناس، وطبعًا نحنُ كنّا خائفين، فالخوف كان موجدًا في كلّ عيون، ولم يكن يعلم أي واحد منا إلى أين يذهب وكأنَّ مصيره مجهول".
وأضافت: "طبعًا لم يكن لدى الناس سيارة، فالناس كانوا يذهبون سيرًا على الأقدام مع أغراضهم والخوف منتشر في كل مكان. وعندما صعدنا الجبل، قررنا أن نذهب إلى مزار مام شفان، وكنتُ خائفة مثل أي فتاة، فلم أكن أريد أن أصعد للجبل لأنّه لا يوجد مكان للسكن، ولا مياه للشرب، ولا طعام ولا حتّى أي شيء من مكونات الحياة، فكنتُ أتساءل كيف سنعيش؟ بقينا في الجبل حوالي تسعة أيام، ففي الأيام الأولى كان القليل من الطعام موجودًا، ولكن في الأيام الأخيرة الناس ماتت من الجوع. وكان شعور الخوف رفيقنا، فكانوا يقولون بين الحين والآخر أنَّ تنظيم داعش أصبح قريب وكلّ سوف يموت، وسوف يأخذون النساء، ويقتلون الرجال".
وأردفت قائلة: "من الأمور الصعبة التي عاينتها، كان هناك ثلاث شباب، نزلوا من الجبل إلى القرية من أجل إحضار الطعام لعائلاتهم، لكنّهم لم يصلوا إليها، فقد قتلوا. وعندما رأيتُ كل هذه الأمور الصعبة تحصل، لم أتحمل فبقيت لأأكثر من يومين وأنا أبكي".
شكرية تتحدث عن دعم عائلتها لها وعن إصرارها بالنجاح في تغيير حياتها
منذ عودتها إلى المدينة عام 2018، تعمل شكرية في مستشفى "سنوني" العام، بقسم الصيدلية، رافقناها إلى عملها التي تذهب إليه صباحًا، وهناك حكت لنا قصة إصرارها على إكمال تعليمها الثانوي ومن ثم دراسة الصيدلة، مستمدةً القوة من دعم عائلتها وإرادة صلبة تحب الحياة.
وعن دعم عائلتها لها، قالت شكرية: "الحمدالله عائلتي دعمتني، ولكن في فترة تفشي فيروس كورونا كان هناك صعوبات، والناس كانت خائفة، ولكن حاليًا منطقتنا أصبحت مفتوحة والناس يأتون إلى المستشفى".
بإصرارها واجتهادها، تغيّرت حياة شكرية.. وهي تُشجع الفتيات والنساء على أن يكون لهنَّ مشروعهن الخاص مهما كان صغيرًا، وفي منزلها، بعد عودتها من المستشفى والمساعدة في الأعباء المنزلية، تحملُ ريشتها التي تهوى لتستثمر وقتها بين الألوان، فتُشكلها رسائل تروي فيها قصص قومها وما مروا به، فتصيرُ ألوانها علاجًا لروحها.
وعن موهبتها في الرسم، قالت شكرية: "لقد كنتُ صغيرة، في الصف الثاني ابتدائي، عندما بدأتُ بالرسم، بعد ذلك تطورت معي هذه الموهبة إلى أن كبرت، وفي المرحلة الدراسية المتوسطة، أصبحتُ أحب الرسم كثيرًا، وكان لديَّ نيّة أن أفتح معرض، فحينها مدير المدرسة وأهلي ساعدوني لإفتتاحه، وفي 2012 أصبح لدي معرض رسم، وكانت أغلب رسماتي فيها رسائل سلام، وأمان. وبعد هجوم داعش عام 2014 على منطقتنا، وكلّ شيء تهدّم، فرسائلتي تحوّلت إلى التعبير عن قصص الناس كيف تعزبوا وهربوا وكيف جرى تدمير كل شيء، وذلك من أجل أن يصل صداها إلى جهات مختصّة...".
وتكلّمت شكرية عن عودتهم من إقليم كردستان إلى سنجار، قائلة: "في عام 2018، عندما انتهيت من دراسة الصيدلة، ذهبنا من منطقة خربابكي إلى مخيم جامشكو، وبقيت هناك لمدّة ثلاثة أشهر، بعد ذلك جئتُ إلى سنوني...".
على قارعة أحد طرقات مدينة سنوني، كرفان صغير عليه لافتة تقول: "صيدلية شكرية، هذا هو مشروعها الصغير الذي بدأته شكرية بدعم من مجتمعها، ومن خلاله تخدم هذا المجتمع، وتقدّم صورة لشابة عراقية ترسم حياتها بألوان شنغال وحبها للسلام".
وأكّدت شكرية أنّها عندما قرّرت أن تفتح الصيدلية لم تواجه صعوبات، بل على العكس الجميع أحب الفكرة وقدموا لها الدعم، مشيرةً إلى أنّها ترتب أمور عملها بحسب أوقاتها، والأولية لديها للمستشفى وصيدليتها.