يتحدث عماد زكي محمد، مؤذن في الجامع النوري الكبير عن الشيء الذي دفعه ليعود ويؤذن في هذا الجامع، قائلًا: "طبعًا هذا المسجد هو جامع النوري الكبير الذي يُعرف فيه منارة الحدباء، وهو رمز من رموز محافظة "نينوى" التي هي مدينة "الموصل"، وكل أهل "الموصل" يعتبروه رمز لهم وسمية الحدباء أيضًا نسبة إلى منارة الحدباء".
ويتابع: "منذ أن بدأت هذه الحملة الشرسة على المدينة من قبل المنظمات الإرهابية لم يُرفع الآذان منذ بدأ عمليات تحرير الموصل عام 2017 تقريبًا، فتحرّرت الموصل، وهذا المسجد وهذه المنارة لها روحانية للمنطقة ولمدينة الموصل لكونه جامع قديم عمري 930 سنة تقريبًا، بنيى عام 516 هجرية في زمن عهد الأتابكة، في زمن صلاح الدين الأيوبي عندما حرّر بيت المقدس، فله روحانية لأهالي المنطقة ولأهل الموصل كلهم".
وأضاف: "لقد مضى عليَّ أكثر من عشر سنوات، أنا خادم ومؤذن هنا، وكنا نعطي دروس في تعليم القرآن من قبل ما يأتون الدواعش، وعندما دخلوا فرضوا نظام أو منهج لصالحهم وأكثر الناس لم يقبلوا بهذا الشيء، فقاموا بطردنا أنا المؤذن والقارئ والإمام، وأخذوا منّا مفاتيح الجامع لأنّنا لا نمشي على منهجهم، ومن المعروف عنهم الذي ليس معهم هو عدوّهم".
في يوم الجمعة الرابع من تموز/ يوليو عام 2014، كان المسلمون في الساحل الأيمن من مدينة "الموصل" العراقية، يتحضرون لصلاة الجمعة في معلمهم الأثري والديني البارز، جامع النوري، الذي يُعرف كذلك بالجامع الكبير.
كانت المدينة قد سقطت بيد تنظيم داعش في العاشر من حزيران/ يونيو 2014، بعد معركة سماها "غزوة أسد الله البيلاوي".
في تلك الجمعة التي صادفت السادس من رمضان، تفاجأ المصلون بخطبة غيّرت وجه "الموصل" رغمًا عنها، وما زالت تحمل جروحًا غائرة من تلك الحقبة.
وسط حشد أمني داعشي مشدّد، اعتلى رجلٌ كان مجهولاً لهم قبلها، منبر الخطيب في جامع النوري الكبير، لينصّب نفسه أميرًا للمؤمنين وخليفةً في دولته الإسلامية، ويُصبح الخبر الأبرز في العالم كلّه، أبو بكر البغدادي، زعيم داعش.
مشروع إحياء روح "الموصل"
إعادة إعمار جامع النوري الذي يعود إلى تسعةِ قرون خلت، تتمُّ ضمن مشروع إحياء روح الموصل الذي ترعاه "اليونسكو" بتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة. وضعَ حجر الأساس للمشروع في 16 من كانون الأول/ ديسمبر عام 2018، على أن ينتهي خلال خمس سنوات.
المفخخات التي وضعها داعش في جدران الجامع وأعمدته، كما التخريب العمد الذي أحدثه على نقوش محرابه ومصلّاه، فضلاً عن القصف الذي طاله خلال معارك تحرير الموصل، تسببوا في دمارٍ كبيرٍ لهذا الأثر الرمز.
رئيس لجنة الأثاري في مشروع إحياء روح "الموصل"، مصعب محمد، أشار إلى أنَّ شدّة التفجير بالمصلى كانت كبيرة جدًا، حيث عمد إرهابيو داعش على تفخيخه في أكثر من مكان، الأمر الذي أدّى إلى فقدان جزء كبير منه من الجهة الشمالية والجنوبية، لافتًا إلى أنَّ هناك أضرار كبيرة في جدار المصلى وفي أطراف القبة مما تسبب بفقدان عدد كبير من الأعمدة الأثرية التي كانت تحمل الأقواص والتي كانت تركز عليه قبّة المصلى الرئيسية، وكذلك الأروقة الأخرى التي تحيط فيه".
وأردف قائلًا: "ومن الأضرار الأخرى الذي عمد التنظيم الإرهابي على إحداثها في المصلى هي تدمير المحراب الرئيسي وتشويهه بشكل كبير، بإلإضافة وتفجير المنبر الذي كان يقع على يمين المحراب، الأمر الذي سيدفعنا إلى عملية رفعه بالكامل وصيانته موقعيًّا، ثمَّ إعادته في موقعه الأصلي".
وعن ما إذا سيطرأ تغيير على هيئة الجامع، قال مصعب: "طبعًا بالتأكيد، للأسف الشديد نحن نقول أنّه سيتم استغلال الأضرار التي حصلت على المصلى بالتحديد وبقايا أجزاء الجامع لغرض إدخالها في عملية توسيع كبيرة جدًا وهي ستشمل تطوير المرافق الأخرى المحيطة بالجامع، الملحقات البنائية الموجودة، سواءً كانت بيوت سكنية، سيتم كل مبنى بحسب قيمته التاريخية لغرض استغلاله في خدمة الجامع، بالإضافةِ إلى توسيع المصلى...".
على الأرض، بذلت جهود كبيرة في المرحلة الأولى من مشروع إعادة إعمار جامع النوري ومنارته الحدباء من قبل كل الأطراف المعنية، من بين هؤلاء، أفراد لجنة العمل الآثاري ومفتشية آثار وتراث "نينوى" الذين ينجزون العمل الأبرز المتعلق بكيفية إعادة البناء إلى ما كان عليه بقدر الإمكان وبنفس الحجارة.
الترميم.. رسالة أمل
ليست هذه هي المرة الأولى التي يرمم فيها الجامع، فقد رمم عام 1947 بعد انهيارٍ أصابه بسبب القدم، لكنّها الأولى لترميمه بسبب جريمة بفعل فاعل مع سبق الإصرار والتصميم، وعلى الرّغم من أنه سيفقد جزءًا من قيمته التاريخية، لكن التّرميم سيعيد للموصل رمزيتها بوجوده، وسيؤدي رسالة أمل للموصليين والعراق، ورسالة أخرى لمن تجرأوا على تنفيذ التدمير، رسالة تلخصها آية قرآنية من سورة البقرة، مكتوبةٌ على محراب جامع النوري الكبير، تذكّرهم بأنّه: (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).