على درب الحياة يسيران معاً جنباً لجنب.. يفوح منهما ريعان الشباب وعطر الأمل وهمّة الإصرار.. نايف صبري وعروسه منى خيرو قاسم "أيزيديان" من قضاء "سنجار" الواقع غرب محافظة "نينوى" شمال العراق، أرادا لعرسهما أن يكون رسالة.. رسالةٌ للشباب العراقي.. ورسالة للمجتمع.. وقبل كل شيء رسالة لتنظيم متطرف داعشي حاول دفن الحياة.
وعن تفاصيل هذا العرس، قال نايف صبري: "عدنا إلى سنجار في وقتٍ صعب جدًا لأنّه لم تكن هناك عائلات قد عادت بعد، وكانت المدينة تفتقر إلى الخدمات، عادت عائلتي، عادت إلى سنجار عام 2017، وكانت تربطني بمنى علاقة صداقة، تحوّلت بعد سنتين إلى حب، واستمرينا سنتين قبل أن تتم الخطوبة وثمَّ الزواج".
وبدورها، قالت منى خيرو قاسم: "سبقتنا عائلة نايف بالعودة إلى سينجار بعامين، وفي تلك الأثناء، كنا أنا ونايف نعمل معًا، وتربطنا صداقة ما لبثت أن تحولت إلى حب، وقررنا أن نكون معًا، وكللنا حبنا بالزواج بعد عامين".
وتابع نايف قائلًا: "كان عرسنا في يوم السبت المصادف 26/ 06/ 2021، ولأن هذا اليوم يحدث مرّة واحدة في حياة الإنسان، فمجتمعاتنا تبذر مبالغ طائلة في الأعراس، من كثرة الضيوف والمصاريف، ويتوجب على الإنسان مهما كانت إمكانياته ضعيفة أن يتحمل الظروف، ويصرف مبالغ، لا تقل عن 10 آلاف دولار".
وأضاف: "كان مطلوبًا منّا أيضًا، وفقًا للعادات والتقاليد، أن نسلك نفس الطريق الذي يسلكه مجتمعنا، يقترض الكثير من الناس من الآخرين في حال لم يمتلكوا هكذا مبالغ. نحن عملنا مقارنة وقلنا إنّها فرصة مناسبة أن نستغل هذا المبلغ من أجل المجتمع، وبالأخص الأطفال، وبالرغم من أنَّ هذا اليوم لا يتكرر، فإننا لم نتردد في إتخاذ قرار التضحية به".
أن تقيم عرسك بين أنقاض مدينتك التي دمرها تنظيم "داعش" وحاول إبادة أهلها في عام 2014، هو رسالة قوية ومعبّرة في وجه أولئك الذين اعتقدوا أن إرهابهم يمكن أن يطفىء نور الأمل والحب والمستقبل والحياة.. إنها تمسكٌ بالأرض والوطن.. إنها روح الجيل الشاب الذي عرف أن ألوانهُ هي التي ستعيد البريق أينما مرّ الظلام.
وعن مصاريف العرس، قالت منى: "كان هدفنا تقليل من مصاريف العرس، ليتبقى لدينا مبلغ من المال نستغله في مشروع مستدام يستفيدُ منه الأطفال وبالأخص الأيتام لأنَّ هذه الفئة محتاجة جدًا في مجتمعنا.. واجهتنا صعوبات كثيرة من يوم اتخاذ قرارنا إلى حين افتتاح المشروع، وأولها أننا حين كنا نقول لأهالينا وأصدقائنا والمقربين منا بأنَّ حفلة زفافنا لن تكون في قاعة حفلات، ولن نشتري الذهب، والكثير من المتطلبات الأخرى الخاصة بالعرسان، كنا نتعرض للانتقاد من قبلهم، و يتساءلون كيف ولماذا؟ عانينا صعوبات حتى شرحنا الفكرة لهم".
- تفاصيل عن حفل الزفاف، وعن المشروع الذي اختار العروسين العمل به؟
قرار توفير مصاريف حفل زفاف في صالة أفراح وعدم شراء الذهب أو الذهاب في رحلة شهر العسل المعتادة، ليس أمرًا سهلًا في المجتمعات الشرقية والعربية بشكل عام، قرار نايف كان شجاعًا في مجتمعه الأيزيدي العراقي، وقبول منى لفكرته قد يعتبره البعض قرارًا أكثر شجاعة لصبية تربت على وجوب هذه الأمور.
نايف ومنى كان لهما أحلامٌ أكثر سموًا من ذلك، قررا استثمار تكلفة حفل زفاف راقٍ في افتتاح مطعمٍ متواضع يوفرُ فرصتي عمل لاثنينِ من الشبابِ العاطلِ عن العمل، ويعود جزء من أرباحه لمساعدة الأطفال اليتامى.
وحول فكرة المطعم، قال نايف: "طبعًا ستوزع أرباح هذا المشروع بالكامل على الأطفال وخصوصًا اليتامى لأنّه لدينا الكثير من الأيتام نتيجة الحرب، بالتأكيد كانت هناك صعوبات كثيرة لأنني كنتُ وسط عائلتي ولدي أصدقاء كثر والجميع يريد أن تكون حفلة زفافي بصورةٍ أخرى وبشكل آخر، كل العائلات الأخرى في مجتمعنا يرغبون بالسؤال عن أي قاعة حفلات سيتم حجزها والموصوغات الذهبية التي سيشترونها ومصاريف حفل الزفاف".
وأردف قائلًا: "وحين فاتحوني بالأمر قلتُ لهم بأننا لن نفعل مثل الآخرين ولدينا شيء مختلف تمامًا، وأن حفل زفافنا سيكون في مكان مختلف، والمصاريف ستصرف في أمر آخر".
وأضاف: "كان تحدٍ كبير لي لأنَّ أخواتي لم يرضين بفكرتي حول إقامة حفل الزفاف فهنَّ كنَّ يرغبنَ بأن يكون زفاف شقيقهم بشكل آخر، وكان صعبًا عليَّ أن أغضبهن، لكنني كنتُ مصرًا على أنني قد لا أستطيع الحصول على مبلغ حفل الزفاف مرة أخرى، وواجهتُ تحدٍ كبير أمامي، وهو التضحية بفرحة الأهل بحفل الزفاف الذي انتظروه طول العمر، ضحيتُ بذلك وكثير من أقاربي والأهل والأصدقاء لم يحضروا الزفاف زفافنا بسبب المكان، لم يستطيعوا فهم لماذا قررنا أن نقيم زفافنا في هذا المكان".
وأوضحت منى قائلة: "كانت أفكارنا متشابهة بتقديم الخدمات لمجتمعنا، ورأينا أنّه مناسب جدًا أن نجعل من حفل زفافنا رسالة سلام إلى المجتمع وأن يتحول إلى مشروع مستدام يستفيد منه عدد من العائلات والأطفال".
- الهدف من حفل الزفاف
أشار نايف قائلًا: "كانت الغاية من إقامة حفل الزفاف في سوف سنجال هو إيصال رسائل إلى الناس لأن غالبية الناس وبشكل تقليدي يقيمون حفلاتهم في القاعات، كانت الديانات والمذاهب كلها متواجدة في سوف سنجار، كانوا يملكون الأسواق والمنازل هناك، وكان هذا السوق معروفًا بالتعايش السلمي، فكانت حفلتنا فرصة لتذكير الناس بهذا المكان، وضحينا بأجمل أيامنا من أجل إيصال رسالتنا في أن يعيد هؤلاء التفكير بهذه المنطقة، ربما ما فعلناه لن يحدث أي تغيير، ولكن هذا ما استطعنا تقديمه كرسالة أولى، والرسالة الثانية كانت للشباب ذوي الدخل المحدود الذين يقترضون مبالغ مالية كبيرة من أجل حفلات أعراسهم، وكانت الرسالة من أجل أن لا يبذروا في صرف المال في حفلات زفاف مترفة تكلفهم مصاريف كثيرة وأن يعملوا حفلاتهم كما يرغبون هم، وليس كما يرغب الآخرون".
بدورها لفتت منى قائلة: "رغبنا في إيصال رسالة إلى الآخرين، ونعيد صورة المدينة المدمرة إلى أذهان الناس، وكيف أنَّ أهالي سنجار عادوا إلى مدينتهم، ويعيشون بين الأنقاض وأنهم بالرغم من الدمار، يعودون إلى مدينتهم، وأردنا أن نظهر للعالم حال سنجار، وكذلك كيف سيستفيد الآخرين، وفكرنا أنا ونايف كثيرًا إلى أن وصلنا إلى خلاصة فتح المطعم".
- نايف ومنى يريدات بناء مجتمع جديد مليئ بالفرخ والأمل بالمستقبل
يريدون بناء مجتمع جديد، يضحك الفرح والأمل بالمستقبل بين أسواقه وبيوته وأزقته، فيعود التعايش السلمي ينبض من جديد في سنجار، بشبابه الذين هم من يبني المستقبل، فنايف عمره 25 عامًا وزوجته منى عمرها 23 ربيعًا، والاثنان صارا مثالاً لفرصٍ كبيرة يمكن للجيل الشاب أن يطبّقها، فإلى جانب مسؤوليات الزواج، وإدارة مطعم برؤية إنسانية خيرية، يتابع نايف دراسته في إدارةِ الأعمالِ والدراسات الدولية بالجامعة الأميركية بمدينة السليمانية بإقليم كردستان العراقي، في حين أن عروسه منى هي خريجة كلية الإدارة والاقتصاد قسم المالية والصيرفة، من جامعة دهوك.
وفي هذا الصدد، قال نايف صبري: "أنا مجبر على العمل ككل الشباب الآخرين في مجتمعنا بسبب أوضاع العائلة والمجتمع عامةً، طفولتي كانت صعبة جدًا، وكان عليَّ الاعتماد على نفسي منذ عمر السابعة، وأن أكمل دراستي وأعيل عائلتي".
وتابع: "في هذه القرية رأيتُ الكثير من الأيام الحلوة والمرة. كنتُ صغيرًا، وعلى عاتقي مسؤوليات كبيرة وكثيرة منذ أيام المرحلة الابتدائية، وهكذا أيضًا مرت سنوات كثيرة".
- نايف مديرًا لمنظمة "سنرايز" الإنسانية
بجانب كل ما يقوم به، يعمل نايف مديرًا لمنظمة "سنرايز" الإنسانية التي تشكل مورد رزق يستطيع عبره إعالة عائلته، وهو منذ عودته يهتمُّ عبر المنظمة بتنفيذ مختلف المشاريع الإنمائية في قضاء سنجار، وحلمُهُ الأكبر مع زوجته أن يعود التعايش السلمي لينشر الألفة ويحي نبضَ سوقِ سنجار من جديد.
وعن عمله في منظمة "سنرايز"، تحدّث نايف، قائلًا: "من خلال منظمة "سنرايز" استطعنا تقديم الكثير من النشاطات، وحتى يومنا هذا استطعنا ترميم أربعة مدارس ومركزين صحيين وحديقة عامّة، وأقمنا عشرات الدورات، والورش التدريبية للشباب والفتيات والنساء. نحن قمنا بتنفيذ المكتبة المدرسية الوهيدة في سنجار. وكذلك وفرنا فرص عمل للكثير من الناس بالرغم من الصعوبات استطعنا من خلال منظمات عالمية توفير المواد الغذائية لـ6 آلاف عائلة. وأنجزنا كل هذه المشاريع، أنا طالب جامعي، وتسليم إدارة هذا المطعم لطالب مثلي لن يكون بتلك الصعوبة، سأعطي المطعم بعضًا من الوقت يوميًا من أجل إبقاء المشروع كأمل للأطفال، وليبقى المشروع مستمرًا".
- التعايش السلمي من وجهة نطر نايف ومنى
وتكلّمت منى عن أهمية التعايش السلمي بالنسبة لها، قائلة: "طبعًا أن أؤمن بالتعايش السلمي بين المكونات المختلفة داخل المجتمع والعيش المشترك لأنَّ سنجار قبل الإبادة كانت لوحة جميلة، وكل مكون فيها، كانت له عادات وتقاليد في اختلافاتنا، وهذه كانت إحدى جماليات المدينة، أنا لديَّ إيمان بقدرات شبابنا بأن يتحدوا وأن يعيدوا الأمان والإعمار لمنطقتنا". فيما ذكر نايف أنَّ التعايش السلمي أمر مهم في الحياة، والإنسان معرض للكثير من الصعوبات في حياته، بالأخص إن كان على خلاف مع عائلته أو الشعوب المجاورة له، أو أن يعيش في دولة لا تناسبه، فالتعايش السلمي هو أن نستطيع العيش معًا وبراحة تامّة. وتابع: "أعتقد أننا لو امتلكنا حديقة فيها نوعًا واحد من الزهور، فلن تكون مثل حديقة فيها أنواع كثيرة من الأزهار، ففي كل الأديان والمذاهب جمالية من الأعياد والمناسبات إلى الأزياء التقليدية والفلكلور". وختم قائلًا: "إن امتلكنا هذا الخليط من الأشياء في منطقة ما فهذا يعتبر ثروة لتلك المنطقة، ونحنُ البشر نعيش حياة مؤقتة، ولا نملك الكثير من الوقت لنصرفه على الكراهية، وواجب علينا جميعًا أن نكون عامل تكوين وتقدم للمجتمع".
- كيف ينظر نايف ومنى لمستقبل العراق؟