يمثل مرض السرطان بكافة أنواعه واحدًا من أكبر التحديات التي يقابلها الطب وعلم الأدوية، ومنذ اكتشاف الجراح البريطاني برسيفال بوت عام 1775 للمرض، دخلت البشرية في صراع كبير للقضاء على هذا المرض الذي يقتل سنويًا حسب أحصاء 2019 ما يقارب من 9.6 مليون مريض في العالم. وغالبا ما يستخدم الباحثون عينات من الأنسجة البشرية من أجل دراسة الأمراض المعقدة مثل السرطان، وكلما ارتفع عدد العينات المدروسة ازدادت فرصة فهم المرض وإيجاد علاج له، بينما تستمر الأبحاث والتجارب لأجل القضاء على كافة أنواعه المختلفة، ومنها سرطان القولون، والذي أعلن مؤخرًا عن اكتشاف دواء جديد له، يمثل قفزة هائلة في علاجه .
ويصاب حوالي مليون شخص بهذا المرض الذي يصعب تشخيصه وعلاجه، وتذكر الدراسات أن سكان البلدان المتطورة أكثر عرضةً من غيرهم للإصابة بسرطان الأمعاء الغليظة المعروف بسرطان القولون، ومؤخرًا في النمسا ثمة مشروع أوربي طموح يهدف إلى إنشاء بنية تحتية تتيح للعلماء الحصول على ملايين العينات البيولوجية البشرية، ويسمى "بنك غراتس الحيوي"، التابع للكلية الطبية في غراتس، والذي تديره كارين سارغسيان، التي صرحت عن البنية التحتية للبنك وقالت؛ "لدينا أكثر من 60 ألف عينة من سرطان الأمعاء الغليظة، وهذا رقم ضخم. ولدينا عدد كبير من كل ما يمكن تخيله، بدءًا من الشعر إلى العضلات أو الجلد... لدينا كل شيء". وهذه العينات تمَّ الحصول عليها من أجسام المرضى، وذلك بعد موافقتهم على منحها لأغراض البحث العلمي. ثم يتم تثبيتها بمادة الفورمالين، وتحضيرها في شرائح رقيقة، وبعد ذلك تسجل ضمن قاعدة البيانات. ويوفر البنك الحيوي الأوروبي "بي بي إم أر آي" BBMRI ، بنية تحتية تتيح للباحثين الحصول على البيانات والعينات المتعلقة بنحو 200 مليون عينة. هذا ويتم حفظ بعض العينات في بنك غراتس الحيوي في ضمن درجة حرارة الغرفة، بينما يخضع بعضها الآخر إلى التجميد. ويُشار إلى أن تلك العينات " محفوظةٌ بطريقة التجميد، يتم وضعها ضمن نيتروجينٍ سائل وتخزن في درجات حرارة منخفضة جدا. نبقي هذه الأنسجة حية لأن بعض الأغراض البحثية لا يمكن تنفيذها إلا من خلال العينات الحية"، حسب ما صرحت به مديرة البنك سارغسيان.
ويبدو أن تلك العينات المتعلقة بالمرضى الذين أخذت منهم العينات ليست "بمفردها كافية للقيام بالأبحاث" حسب تصريح بيتر هولوب، رئيس قسم تقنية المعلومات في BBMRI-ERIC والذي أضاف أنه لا بدّ من الحصول على المعلومات المتعلقة بالمريض الذي أخذت منه، أو المتعلقة بالمتبرعين إن كانوا مجموعة، وكذلك المعالجة التي خضعوا لها، أو العوامل المحيطة التي ربما أثرت عليهم. مؤكدًا "إننا نتعامل مع بيانات حساسة تتعلق بالمعلومات السريرية أو بجينات المريض، لذا فنحن مدركون تماما لمسألة الخصوصية".
ويعمل حاليًا العلماء على تطوير ماسح ضوئي ومن المتوقع أن يحدث ثورة في مجال التشخيص الطبي خلال المستقبل القريب، قادر على مسح آلافَ الشرائح الطبية كل يوم بدقة فائقة. والذي يُعد وسيلة لا تقدر بثمن في مجال "خوارزميات تعلّم الآلة"، وحسب ما قاله كريستيان غولي، مدير مركز الأبحاث الطبية، في الكلية الطبية بغراتس: فإن "الهدف الأساسي هو تطوير خوارزميات جديدة تتمتع بدقة عالية، وتشخص بدقة أكبرَ من الطرق التقليدية. وهذا هو ما نسعى إليه من أجل إيجاد العلاج الأمثل للمرضى في أسرع وقت ممكن". يُضاف إلى أن البنك بذلك يفتح الطريق أمام الباحثين لتشخيص سرطان الأمعاء الغليظة وغيرِه من الأمراض المعقدة بشكل أسرع، والتوصلِ إلى علاجات تتوافق مع حاجة كل مريض. وهو ما رجحه كورت زاتلوكال، رئيس مركز التشخيص والبحوث الحيوية بالكلية الطبية في غراتس، والذي قال: ": "أصبح لدينا طرق جديدة كليا في مجال فحص المواد البيولوجية. هذه الشرائح أكثر فائدة بالنسبة للباحثين لأن بالإمكان مسحها بواسطة ماسحات ضوئية عالية الدقة والحصول على نسخة رقمية منها. وذلك يساعد في تطوير الخوازميات التي ترصد التغيرات المورفولوجية للخلايا بصورة أفضل من الإنسان".