الأمر بالنسبة لهم مجرد كلمة، مزحة، أو ربما ضحكة ملونة بالسخرية قادرة على إشباع رغباتهم اللامتناهية بالإيذاء!
ما دام لدينا المقدرة على إخراج الألفاظ الحسنة والإيجابية، لِمَ نتعمد سكب السم من أفواهنا مغتالين به رغبة الآخرين بالحياة والتقدم وتحقيق ما يطمحون إليه؟
"التنمّر" هي ظاهرة عدوانيّة وغير مرغوب بها تنطوي على مُمارسة العنف والسلوك العدواني من قبل فردٍ أو مجموعة أفراد نحو غيرهم ولكنها مع الأسف منتشرة وبكثرة بين مختلف فئات المجتمع، أتُرانا نتلذّذ بتحطيم بعضنا البعض! فلا نكتفي بتعمُد الإساءة سواء كانت لفظية أو جسدية لمرة واحدة بل ندخل في دوامة من الاستمرارية إلى أن نصل إلى مبتغانا. ولكن هنا لا بد أن نسأل أنفسنا، ماذا نريد حقًا؟ ما الهدف من ممارستنا للـ"تنمّر"؟
ربما رغبتنا في الاختباء الدائم خلف المثاليات والقواعد المجتمعية المتربصة في أذهاننا هي من تدفعنا إلى ارتكاب "التنمّر"، كخلقنا لمعايير الجمال والموضة مثلاً يعطينا الحق بتوجيه الكلمات الجارحة لمن لديهم زيادة في الوزن (على سبيل المثال)، على الرغم من امتلاكهم من الثقة والتصالح مع الذات ما يكفي ليكونوا أُناس حقيقيين لا يسعونَ خلف التصنع والكمال الزائف، وقد تبلغ درجة التنمر إلى حد السخرية من مَن أصيبوا بمرض معين أو خلقوا بلونٍ مختلف أو لديهم طباع مختلفة.
ولكن ماذا بإمكاننا أن نفعل بالتنمّرين المستمرين في إطلاق الأحكام والنصائح على الآخرين، مساهمين في خلق مشكلة في المجتمع وتعقيدها بدلاً من أن يكونوا إيجابيين أو يقدّموا النصائح، وغالبًا ما يُبقوا أعينهم مغلقة عن عيوبهم أيضًا!
"التنمر" محيط بنا بمختلف أنواعه وأشكاله، فنجد التنمر اللفظي والجسدي، والتنمر المجتمعي والمدرسي.. ومع دخول الإنترنت إلى حياتنا بدأنا نواجه التنمر الإلكتروني أيضًا، مما يسبب نتائج كارثية ومدمرة تنعكس على الفرد.
كذلك نجد أحد أغرب أشكال التنمر حديثًا، وهو التنمر على مصابي "فيروس كورونا"، فنرى الحملات الإعلامية في بعض البلدان التي تدعو إلى عدم نبذ المصابين والتعامل معهم على أنهم مصدر خوف وتهديد للمجتمع، بل أخذ الحيطة واتباع إجراءات الوقاية مع مراعاة مشاعر المصابين، فلا ذنب للمصاب في ابتلائه، بل إنه في أمسّ الحاجة للدعم النفسي خلال مرحلة العلاج والعزل الصحي.
اليوم لا بد من استغلال تطور الإعلام الرقمي لزيادة حملات التوعية لوقف ظاهرة "التنمر" التي لم تقتصر على لون وعرق وجنس المتنمّر به، بل امتدت إلى أبسط تفاصيل حياتنا اليومية، الأمر الذي يترك من تعرّض للتنمر في حالة اكتئاب وعزلة، وتصل في بعض الحالات إلى الانتحار.
لنبدأ جميعًا من أنفسنا ومحيطنا، ولنوقف التنمر معًا.
بقلم : نغم ناهل شلق