الذهب، المعدن الأكثر تقديرًا، وعند كلّ مجتمعاتِ العالم، فإنَّ التعبير عن القيمة كثيرًا ما يرتبطُ في الذهب. سِعرُ أونصة الواحدة من الذهب حاليًّا يتراوح بين الألف والألفي دولار بحسب عيارها ونوعها. لكن هل تساءلت يومًا عن سبب غلاء الذهب؟
بعض الناس يظنُّ أنَّ ارتباط الذهب بالعملة، لكن أبدًا يا صديقي، ما حذرت، فارتباط الذهب بالعملة "راح من زمان"، منذ أن فكّه الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون 1971.
ويبقى السؤال، ما سرُّ غلاء هذا المعدن الأصفر اللامع؟.. الإجابة في هذه الأسطر القليلة التالية:
الذهب اليوم يستخدم بالإضافة إلى المجوهرات الغالية الثمينة لتزيين السيارات الرياضية والساعات الغاليةِ جدًّا، أيضًا في الأسنان وفي الصناعات التكنولوجية، كصناعة الرقاقات الالكترونية لأجهزة الهواتف الذكية.
الذهب في الأساس، معدنٌ يعتقدُ بعضُ العلماء أنّه تشكّل نتيجة تصادمٍ كبير بين النجوم، وأنّه كان موجودًا على هيئة غبارٍ أثناء تشكّلِ تطور المجموعة الشمسية، وبما أنَّ الأرض كانت منصهرة عند تشكلها، فأغلب الذهب المتشكّل في الفترات الأولى من تاريخ الأرض ربما يكون موجودًا في النواة، لذلك يعتقدُ أن أغلب الذهب الموجود في القشرة الأرضية ووشاحها أتى الى الأرض عن طريق اصطدام الكويكبات في الفترات اللاحقة أثناء مرحلة القصف الشديد المتأخر قبل أربعة مليارات سنة.
في هذا الكهف عثر على ذهبٍ برأيي علاماء الآثار أنّه يعود إلى نحو أربعين سنة، وهو التاريخ الذي يعتقدون أنّه كان أول استعملٍ واستخدام للذهب من قبل الإنسان.. صحيح أنَّ الذهبَ نادر، نظرًا الى كمياته المحدودة على الأرض، فلو جمعت كلّ ما استخرج من الذهب من العالمِ، والذي يقدّرُ بـ190 ألف طن، ووضعته في مبنىً مربعًا واحد لن يزيد عن 25 مترًا مربّعًا.. هذا الكلام صحيح، لكن ومع ندرته، فإنّه ليس نادرًا، بل هناك معادنَ أندرَ منه بكثير (الأوزميوم أندر بمرتين) غير أنّها أيضًا أرخص منه بكثير، إذًا لماذا هو غالي بهذا الشكل؟!
عبر التاريخ، إعتنى الإنسان بالذهب حتّى أنّه دخلَ في المعتقدات الدينية للإنسان. الفراعنة مثلًا، لم يستخدموا فقط الذهب في عملةٍ للبيع والشراء، لكنّهم استخدموه في مدافنهم لاعتقادٍ بأنَّ لحوم الآلهة التي يعبدونها هي من الذهب والاستخدام الأبرز للذهب فيما بعد كان للعملة. ومع أنَّ بعض المناطق في العالم، عرفت التعامل بالعملة الورقية مبكّرًا، إلَّا أنَّ العمل في الذهب كعملةٍ معدنية استمرَّ حتّى القرن الثامن عشر، عندما ربطت الولايات المتحدة الأميركية الدولار الأميركي بسعر الذهب، وهو الأمر الذي زاد من شغف الناس للبحث عن الذهب بدلًا من الحصول عليه، كعمليّةٍ طبيعية للبيع والشراء.
في أواخر القرن التاسع عشر، تسببت حمى الكشف عن الذهب الى استعمار جنوبِ أفريقيا. في الولايات المتحدة الأمريكيّة، ظهرت حمى الكشف عن الذهب أيضًا، ومن أشهرها حمى ذهب كاليفورنيا، وعمليات البحث عن الذهبِ هذه صنعت أجيالًا متلاحقةً من عمّال المناجم المحترفين، المناجم التي ما اختلف العملُ فيها بشكلٍ كبيرٍ عن السابق، غير دخول بعض التقنيات التكنولوجيا التي سهّلت نوعًا ما العمل في مناجم الذهب، لكن ظلَّ الإنتاج فيها بطيئًّا وغير مجدي، أحيانًا فقط %10 من المناجم، يستخرجُ ذهبًا ضمن الكميات التجارية، وبطبيعة الحال يستغرق استخراجها شهور، وأحيانًا سنوات.
الجيولوجيون يؤكدون أنَّ الذهبَ الباقي في أعماق الأرض لا يشكّ أكثر من عشرةٍ في المئة من الذهب المستخرج والمتداول بين الناس، ويقدرونه تقريبًا بـ55 طنًّا فقط باقية في الأرض، حتّى أنَّ البعض يعتقدُ أنّه خلال عشرين سنةً قادمة مع التزايدِ على التنقيبِ عن الذهب لن يبقى ذهبٌ في باطن الأرض حتّى ينقّبُ عنه، وبالتالي ربما يزيد من أسعار الذهبِ بشكلٍ كبير، خاصةً في ظلّ التزايدِ الكبيرِ لعدد سكان الكوكب، والذي برّرهُ أنّه بعد فتك دول العالم الكبرى لارتباط الذهب بعملتها، استمرّت أسعارُ الذهبِ في الازدياد في ظلّ إقبال المستثمرين على شرائه خاصةً مع الخوف المتزايد خلال الأزمات العالمية المتتالية، ومنها الأزمة العالمية عام 2008، والتي دفعت بسعر أونصة الذهب الى أكثر من ألفي دولار.
ببساطة هذا هو السّر وراء غلاءِ سعرِ الذهب.. المهم %50 من الذهب هو في المجوهرات، %20 في الاستثمرات التجارية للأشخاص والشركات، وبعدها يأتي مخزون البنوك المركزية من الذهب، والتي تشكلُ تقريبًا %17 من قيمة الذهب العالمية. كما إنَّ نحوً من %13 من الذهب هو يستخدمُ في صناعة الأسنان والتكنولوجيا. والذهبُ لامعٌ جميل، وفريدٌ من نوعه من بين كلّ المعادن الثمينة، ما يزيد الطلبَ عليه، بدرجةٍ كبيرة، هو من أهمّ المعادن النبيلة، وعلى امتداد آلاف السنين تقريبًا لا يتغيّر، لا يصدأ ولا يتأثر بالعوامل المحيطة. من أجل كلّ هذا هو مجوهرات الزواج، وهو المعدن الأفضل للاستثمار، حتّى في عالم التكنولوجيا والصناعات الدقيقة هو مثليّ خاصةً في صناعة الهواتف الذكية. كلًّ هذه العوامل جعلت منه حاجةٍ ضرورية في حياة البشر، ما كفِلَ بقائه وغلاه.