عرف الإنسان الكتابة منذ أكثر من 7 آلاف سنة، لتصبح الوسيلة الأهم في تدوين حضارة الإنسانية عبر المجلدات والمخطوطات الأثرية القديمة، وظل الإنسان يطور الكتابة حسب مكانه وإقليمه وربما عرقه الذي ينتمي إليه، لتصبح اللغة واحدًا من أهم محدداث الهوية للفرد في عالمنا المعاصر، ولكن هناك البعض يلجأ إلى اللغة بأشكال مغايرة يمكن وصفها بالسرية، فهناك كتب شفرات الجواسيس التي انتشرت إبان الحربين العالميتين في القرن الماضي، وغيرها من كتب الشفرات، وهو ما فعلته بالضبط النساء الصينيات منذ قرون طويلة حين لجات إلى لغة نسائية خالصة وخاصة، لا يعرفها غير النساء الصينيات أطلق عليها "لغة البعوض" نظرًا لنقوشها الطويلة والمتعرجة، والتي عرفت باسم "لغة النوشو".
وتعد "لغة النوشو" واحدة من اللغات الأكثر سرية في العالم، إذ كانت لغة مكتوبة فقط، وليست لغة منطوقة، حاولت بها النساء في الصين لقرون طويلة التحايل على منع تعليم المرأة، واستخدمتها النساء في القرى الجبلية المنعزلة لتمرير الرسائل السرية فيما بينهن، وحرصن على تدريب وتعليم الفتيات منذ الصغر تلك اللغة السرية، وكن يحكين بها عن مآسيهن وأحوالهن وقهرن، ويعزى تطويرها إلى طبقة النساء العاملات قديمًا في الصين، لخلق بيئة ثقافية للتعبير عن أنفسهن بحرية تامة، وامتازت نصوصها بالشجاعة والحكمة والجرأة، وانتشرت بين النساء خاصة بعد الزواج إذ كانت النساء تضطررن لمغادرة بيت العائلة إلى أماكن أخرى.
وتندر آثار لغة النوشو الآن، بسبب تشديد الصين عليها إبان الثورة الماوية، لكن مؤخرًا بدأت الالتفات إليها وإدراجها ضمن تراث الصين الثقافي، وتحاول كثير من الجمعيات تعليمها في الصين خاصة في مقاطعة وإقليم جيانغيونغ والذي مزجت لغة النوشو بين لهجاته الأربع، وأنتجت تلك اللغة المقروؤة من اليمين إلى اليسار، وتمت كتابتها بأقلام من الخيزران والحبر المصنوع من بقايا المحروقات في أواني الطعام، واعتبرها بعض الباحثين بمثابة رمز يمثل تمرد المرأة الصينية على المجتمع الأبوي الضاغط في الصين.