استضافت سناء حمداني هذه الحلقة الشابة المصرية "نهلة النمر" ، التي أكدت أن المرأة تملك على الدوام كنزها الحقيقي، تملك إرادتها الجبارة التي يمكنها أن تحقق المنجزات بإعجاز باهر، وأنت تقف في وجه العالم بقوة وصلابة، لأنها تردد في داخلها؛ "لأني امرأة أستطيع".
تحمل "النمر" في داخلها من طيب الأرض السمراء، ابتسامتها التي لا تفارقها، تفرشها أرضًا للسلام يدخلها الناس حولها في انسجام، ناسين أنها تلك اليتيمة، لا يرون إلا النور في وجهها، والإصرار في عزمها، إذ قهرت عبر ابتسامتها اليُتم والتنمر والقسوة، وجعلت من كل ذلك دافعًا أكملت به تعليمها كما تحلم، لتصبح قائدة لفريق التقييم في مؤسسة "وطنية" لتطوير دور رعاية الأيتام في مصر، حيث تعمل.
نشأت "نهلة النمر" في واحدة من دور رعاية الأيتام في مصر، لتعاني في طفولتها من تنمر بالغ بسبب بشرتها السمراء، وظروفها التي لا يد لها فيها، إذ وجدها أحد الأشخاص في عمر اليومين أمام مسجد، فأخذها إلى دور الرعاية التي وفرت لها شخصًا مناسبًا لرعايتها حتى بلغت عامين، ليتم نقلها إلى دار رعاية أيتام، لتفتح عينيها على مكان غريب عنها تمامًا، لا تعرف أحدًا فيه، ولا تدرك أسباب وجدها هناك، أو متى ستغادر هذا المكان؟
حصلت "النمر" على مدار حياتها على أسماء عدة منها "نهلة"، و"هدى" و"مها"، لتبدأ معاناتها الأولى مع الاسم، إذ كان الجميع ينادونها بأسماء مختلفة، حتى قررت أن تدافع عن أول حق لها في الحياة، وأصرت مع المشرفة على أن يناديها الجميع باسمها "نهلة". وخلال سنواتها الأولى تعرضت للكثير من التنمر في الشارع والمدرسة بسبب لون بشرتها الأسمر، وهو ما سبب لها كثيرًا من الضغوط النفسية، إلى درجة "الفوبيا" من الحديث إلى الناس، وبدأت تنطوي على نفسها لتجنب هذا الجرح.
حصلت "نهلة" على الشهادة الإعدادية، وراحت تحلم باستكمال ثانويتها العامة، لكن كانت إدارة دار الأيتام ترى أن تكمل "نهلة" تعليمها في مدارس التمريض الفنية، وبدأت المساومات معها إما مدرسة التمريض أو واحدة من مدارس فنية أخرى كالتجارة أو الصناعة او المهنية أو الفندقة والسياحة، وأن تكتفي بدبلوم المدارس الثانوية الفنية، لكن لأنها تحمل في داخلها كنزًا لا يدركه الآخرون ولا ينتبهون إليه، أصرت على قرارها، وقامت بالتسجيل في الثانوية العامة في تحدٍ لكل الظروف والأشخاص الذين لا يفهمون عن قوة إرادتها ولا يقدرون حجم العزيمة داخلها، وكان ما أرادت، ودفعت لأجله ثمنًا باهظًا لا تنساه "نهلة".
تعنتت إدارة دار الأيتام، ورأت في "النمر" وقرارها تحديًا للدار، وصدر أمر لها بمغادرة الدار للأبد، وعن ذلك تتذكر "النمر" قائلة؛ "أول ليلة واول أسبوع بعد خروجي كان بمثابة كارثة"، كانت تحاول أن تستوعب ما حدث، وأنها الآن خارج دار الأيتام، ويتعين عليها مواجهة الحياة باستقلاليتها وحدها، لتبدأ رحلة كفاح مشرفة بالعمل في هذا السن المبكر، إذ ساعدها بعض الأصدقاء على الالتحاق بعمل يكفل لها تغطية مصروفاتها اليومية والدراسية، وكذلك استطاعت الحصول على شقة للإيجار وشراء أثاثها شيئًا شيئًا، لتكمل في رحلة الحياة دون استسلام أو خذلان، لتنتهي إلى العمل في مؤسسة "وطنية" المعنية بتنمية دور الأيتام وتطويرها، وهو المجال الذي فتح أمامها آفاقًا جديدة.
أدركت مؤسسة "وطنية" ما يمكن أن تقدمه "نهلة النمر" والتي خاضت بنفسها تجربة الحياة في دور الأيتام، وهو ما يجعلها من أقدر وأنسب العاملين في هذا القطاع، وسيمكنها أن تقدم العون لغيرها ممن يمر بنفس التجربة بآداء أفضل من غيرها، وبالفعل رحبت "نهلة" بالعمل معهم، ورأت أن واجبها ومسؤوليتها الإنسانية تحتم عليها هذا الدور الإنساني النبيل، وأدركت بدورها أنها وبالعمل مع المؤسسة يمكن أن تغير من واقع أيتام كثيرين، تعرف "نهلة" عن عالمهم ومعاناتهم فيه.
تحلم "نهلة النمر" أن تصير نائبة في البرلمان المصري للحديث باسم فئة الأيتام التي لم يسبق لأي نائب في المجلس الحديث عنها، إلى جانب حلمها الأكبر بالعمل في الأمم المتحدة في مجال رعاية الأيتام.
أكدت "نهلة النمر" أن أقوى رسالة يمكن أن تبثها للمرأة في كل مكان، أن تتخلص من نظرية الضحية، وأن تتعلم أن تضع الأمور في نصابها، وأن تدرك أن بإمكانها تغير الأوضاع من حولها، وأنها تملك القوة في داخلها لذلك، لأنها كما قالت؛ "لأني امرأة أستطيع".