تتكاتف جهود العالم لأجل الحفاظ على نسب الأوكسجين في الغلاف الجوي والحد من ارتفاع نسب الغازات السامة، وخطورة ذلك على قضية ثقب الأوزون، ويومًا بعد يوم تظهر حملات تطالب بالنتباه لخطورة تدمير الغابات الطبيعة في العالم كله، وما يمكن أن يفعله ذلك من خلل بيئي تطال آثاره الجميع.
نود الإشارة هُنا إلى توجيه الانتباه، إلى واحدة من أهم البقاع الخضراء في دولة ليبيا الشقيقة، والتي تتعرض فيها منطقة الجبل الأخضر إلى حملة شرسة من القطع الجائر لأشجار الغابات الطبيعية في تلك المنطقة، بما يهدد الحياة الطبيعية في المنطقة كلها والواقعة في الشمال الشرقي الليبي، وسط غياب تام للمراقبة من أي طرف، وهو ما استنفر بعض أفراد القبائل للاستغاثة لوقف ما يحدث من تدمير للمنطقة يهدد الحياة برمتها هناك.
ويضم الجبل الأخضر منطقة جبال مرتفعة مغطاة بالغابات في شمال شرق ليبيا، تمتاز بارتفاعها عن أغلب مناطق ليبيا وتشتهر بمعدل أمطار مرتفع خلال موسم الشتاء، وهو ما يوفر مزيدًا من الأراضي الخصبة للزراعة والرعي، إضافة إلى توفر الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، وللمنطقة جغرافيتها الخاصة حيث تتعدد أشكال الحياة البرية فيها، ويكثر فيها وجود المتنزهات الطبيعية والمحميات ومن أشهرها وادي الكوف، وتُعد مدينة البيضاء أشهر مدن المنطقة التي تغطي مرتفعاتها الثلوج في فصل الشتاء.
وعبر اتصال هاتفي مع أحد الناشطين في مجال البيئة (والذي تحفظ على ذكر اسمه)، أكد لنا أن عمليات القطع مستمرة بشكل دائم ومتواصل، وهو ما يهدد بتغيير نمط الحياة في المنطقة، وأوضح أن خطورة ما يحدث هو ما يترتب من آثار على تغيير مُناخ المنطقة في جنوب المتوسط، والذي يمثل تهديدًا بيئيًا حقيقيًا للكائنات الحية، وكذلك القبائل الليبة التي تعتمد على المنطقة في رعيها وزراعتها المحدودة.
ربما لم يفت الأوان بعد، وننجح في لفت انتباه المجتمع الدولي والمهتمين بالبيئة والاحتباس الحراري أن ينتبهوا إلى ما يحدث في الجبل الأخضر الذي يُعده البعض رئة خاصة بمنطقة جنوب المتوسط، إذ أكد الناشطون في مجال حماية البيئة والحياة الطبيعية، أن عمليات القطع الجائر التي تتم الآن في غفلة من الجميع، سيكون لها آثارًا وخيمة على مناخ المنطقة وعلى طبيعة الحياة فيها، وربما يُسرع ذلك عمليات التصحر المتخوف منها.
وخلال تواصلنا مع قبائل البراعصة هناك، أكد لنا الكثير من سكان المنطقة أنهم مستعدون للتعاون مع أي جهة من شأنها الحفاظ على المنطقة التي تمثل إرثًا إنسانيًا وتاريخيًا ليس لليبيين وحدهم، وإنما للمجتمع الإنساني جمعاء، وهو ما يصدحون به، ويحاولون الآن تكثيف جهودهم ومبادراتهم الشخصية لأجل تدشين حملة واسعة على السوشيال ميديا في المنطقة العربية باللغة العربية والأنجليزية بهدف لفت الانتباه إلى ما يحدث من انتهاكات صارخة في منطقة الجبل الأخضر.
يُذكر أن منطقة الجبل الأخضر يُعدها البعض بيئة بكرًا وواعدة، وفي حال استقرار الأوضاع في ليبيا يمكن لها أن تجذب الكثير من الاستثمارات الكبيرة في مجال السياحة الترفيهية والعلاجية الاستشفائية، وذلك اعتمادًا على طبيعة المنطقة الجغرافية التي تُعتبر واحدة من أجمل البقاع سحرًا في شمال إفريقيا، كما أن لها الكثير من المقومات التاريخية عبر التاريخ القديم والحديث والتي يمكن الاستثمار حول قيمته، وهو ما يمكنه أن يوفر فرصًا كثيرة للعمل في مجال السياحة والسياحة الاستشفائية.
يمثل ما يحدث الآن في الجبل الأخضر دليلاً دامغًا على أن الحروب التي يخوضها البشر للسيطرة، لا يدفع ثمنها الإنسان وحده، إنما يدفع ثمنها كل الأخضر واليابس على الأرض، وهو ما لا نتمنى حدوثه. وذلك سبب مضاف لكراهية الحروب بكافة أشكالها وأسبابها. فهل يجد أهالي المنطقة آذانًا صاغية تستمع إليهم بعيدًا عن ضوضاء المدافع والتفجيرات وأخبار الحرب والقتال التي تأتي من ليبيا على الدوام؟ أم سيتم اغتيال تلك الجنة الخابية في صمت وسكوت، لنتباكى عليها في المستقبل تباكينا على كل فراديسنا المفقودة عبر تاريخ طويل من الإهمال واللامسئولية الأخلاقية تجاه أراضينا وخيراتها الطبيعية.