حين علِمَ البروفسور أحمد جمعة، خبير الآثار الإسلامية الموصللي، بتفجير المنارة الحدباء أصابته جلطةٌ قلبية، وأسعفه الحظ فشفي منها.
كان البروفسور جمعة خارج الموصل حينها، يخبرنا أنه كان يقلق على الموصل أكثر من قلقه على أولاده الذين كانوا لا يزالون داخل المدينة، يحمل على كتفيه سنواته التي تخطت الثمانين، ويحمل بيديه رسوماته الخاصةِ عن المنارة الحدباء والجامع النوري، التي استندت إليها عملية إعادة إعمارهما ضمن مشروع "روح الموصل"، بكل الشغف الذي يحمله لإرث الموصل الإنساني، يحدثنا عن أيقونة ظن داعش أنه بتفجيرها سيقضي على الروح الموصلية العتيقة.
أنامل ذهبية في صيانة أصلة الموصل
تناثر طوبُ المئذنة الحدباء أو كما يسمى الطابوق بالعاميةِ في العراق إلى أكثر من مئتي متر جراء التفجير داعش لها، لكن فريق إعادة الإعمار جمع كلَّ ما يمكنه جمعه من هذا الطابوق من بين البيوت والأزقة بهدف المحافظة بأكبر قدر ممكن على مكوناتها التاريخية.
وتحدّث رئيس لجنة العمل الأثاري، مصعب محمد عن منارة الحدباء قائلًا: "للأسف الشديد تعرّضت كذلك منتارة الحدباء إلى التفجير من قبل التنظيم الإرهابي أدّى إلى فقدان الجزء الأسطواني بالكامل الذي كان يحتوي على سبعة أنطقة زخرفية، وكذلك سبعة تفاريز كانت تفصل بين نطاق وآخر. والمتبقي من منارة الحدباء حاليًا هو القاعدة المنشورية الأولى والثانية، الأولى المشيدة على الأرض، ثم يليها القاعدة المنشورية الثانية التي تأتي مباشرةً بعد القاعدة الأولى التي تحتوي على زخارف من الجهات الأربعة".
وأضاف: "إنَّ التفجير أدّى إلى فقدان الزخارف، بالكامل من الجهة الشرقية، حاليًا القاعدة تحتوي على أربعة جوانب بزخارفها بالكامل، لم تتعرض إلى أضرار رغم الأضرار التي أصابت الجزء الشرقي منها، لكن كذلك نحن رفعنا أجزاء لا زالت متكاملة تشكّل وحدات زخرفية متكاملة عثرنا عليها في الجزء العلوي من سطح المنارة وأجزاء أخرى ملقية على الأرض في محيط قاعدة المنارة، تمّ رفعها وتوثيقها بشكل كامل لضمان إعادة تصنيعها حسب القياسات وأشكال الزخارف التي كانت منفذة عليها".
وتابع: "لذلك نحنُ تكلمنا أنَّه لا بدّ التعامل مع المشكلة الأساسية التي كانت تعاني منها المنارة سابقًا، ثمَّ ما تعرّضت له المنارة من أضرار بسبب الأحداث الأخيرة وعملية التفجير، لهذا السبب قمنا بالتنسيق مع اليونسكو اتفاق على خطّة التي كانت تتضمن إجراء عملية اسناد سريعة وعاجلة بالنسبة للجزء المتبقى من قاعدة المنارة، وكذلك بالنسبة المصلى...".
إرث معماري وإنساني موصلي
في المخزن، تمَّ جمع الطابوق السليم وتصنيفه بحسب الشكل والقياس والنقوش، وتوثيقُ كل ما يرتبط بالمنارة الحدباء، كما يجري في المخزن تنظيف القطع وصيانتها وتحضيرها لمرحلة الإعمار، نستمع لشغف خبراء الآثار الموصليين وهم يتحدثون بفخر عن إرثهم المعماري والإنساني، وجهودهم في إنجاح مشروع "روح الموصل" الذي ترعاه اليونيسكو بتمويل من الإمارات العربية المتحدة.